ظل الباحثون يختلفون في ما بينهم زمنا طويلا، حول احتمال ما إذا كانت مشكلات الجهاز الهضمي تسهم، في إظهار بعض أعراض اضطرابات طيف التوحد (autism spectrum disorder ASDs).
إلا أن ذلك لم يمنع بعضا من الباحثين والشخصيات المشهورة من الترويج لنظريات غذائية، وكذلك لـ«نظام غذائي لمرض التوحد»، خاص به، رغم انتفاء أي أسس علمية لها.
ومع هذا، فإن تلك النظريات قد تجتذب الآباء والأمهات الحزنين على أولادهم الذين أصيبوا فجأة باضطراب التوحد.
وبهدف وضع إرشادات محددة للأطباء والآباء والمرضى، نشرت لجنة من الخبراء العاملين في شتى الاختصاصات، أول تقرير متفق عليه حول المشكلات الهضمية لدى المصابين باضطرابات طيف التوحد.
وهو يحتوي على تقرير مرافق يحتوي على نصائح مفصلة حول تشخيص وعلاج أكثر تلك المشكلات شيوعا.
يصف الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية في طبعته الرابعة The Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders, Fourth Edition (DSM-IV)، خمسة اضطرابات في طيف التوحد، ضمن صنف اضطرابات النمو المنتشر: اضطراب التوحد (autistic disorder)، اضطراب أسبيرغر (Asperger›s disorder) ، اضطراب ريت (Rett›s disorder)، اضطراب الطفولة التفككي (childhood disintegrative disorder)، واضطراب النمو المنتشر غير المحدد (pervasive developmental disorder not otherwise specified).
وكل هذه الاضطرابات تتسبب في حدوث درجة ما من الضعف في قدرات التواصل والتفاعل مع الآخرين. كما يمكن لهؤلاء المرضى أن ينغمسوا في سلوك حافل بالطقوس أو بالأفعال المتكررة، مثل الدق بأصابعهم باستمرار.
تأثير الجهاز الهضمي
كما يمكن أن تنجم بعض أنماط السلوك عند المصابين باضطرابات طيف التوحد، عن مشكلات في الجهاز الهضمي، إلا أنه يصعب تشخيص نوع المشكلة بسبب صعوبات التواصل مع المريض.
وعلى سبيل المثال، فإن نوبات الغضب وسلوك التحدي - خصوصا في أوقات تناول وجبات الطعام - يمكن أن تظهر لدى شخص مصاب باضطراب في طيف التوحد يعاني آلاما في البطن بعد تناوله الغذاء.
وقد تؤشر أعراض أخرى مثل إصدار الأصوات بشكل غير عادي (النواح أو البكاء)، إلى وجود مشكلات في الجهاز الهضمي، وقد تظهر أعراض ثالثة في شكل بدني (الانتفاخ، الغازات، تقطيب الوجه، أو تمسيد البطن)، إضافة إلى حدوث مشكلات أخرى مثل اضطراب النوم والانزعاج.
وقد وجدت دراسة أعدت بشكل جيد، أجريت في ولاية مينوسيتا الأميركية، أن اثنتين من مشكلات الجهاز الهضمي - وهي الإمساك وانتقاء أنواع الطعام - هي الأكثر شيوعا لدى الأطفال المصابين باضطرابات طيف التوحد عند مقارنتهم بأقرانهم من نفس العمر والجنس.
وتفترض أبحاث أخرى أن آلام البطن تتكرر لدى الأطفال المصابين بتلك الاضطرابات (مع حدوث إسهال أو من دونه)، وتسرب الفضلات، وانتفاخ البطن، ومرض ارتجاع الحمض المريئي.
واعلنت مجلة «لانسيت» أنها قد تخلت عن دراسة كانت قد نشرتها عام 1998 وسحبتها، أي اعتبرت نتائجها باطلة.
وكانت تلك الدراسة قد افترضت لأول مرة أن لقاحات تطعيم الأطفال قد حفزت على ظهور الإصابة باضطرابات طيف التوحد، والمشكلات الهضمية المرتبطة بها.
وأظهرت التحريات أن تلك الدراسة التي شملت 12 طفلا قدمت نتائج خاطئة، فمثلا، ظهر لدى 5 أطفال أعراض طيف اضطرابات التوحد قبل إجراء التطعيم باللقاحات، بينما تم وصفهم بأنهم أطفال طبيعيون في نموهم.
كما لم يتم توثيق الإشارات إلى وجود أي مشكلات هضمية لدى الأطفال في التقارير الصادرة من المستشفى بخصوص أمراضهم.
وكانت أغلبية الخبراء قد رفضوا نتائج تلك الدراسة منذ البداية. ويوجد اتفاق عام في أن لقاحات التطعيم لا تشكل أي خطر متزايد.
إدارة الأعراض
يمكن إدارة المشكلات الهضمية لدى المصابين باضطرابات طيف التوحد عادة بالطريقة نفسها التي تعالج فيها هذه المشكلات لدى الأطفال الآخرين.
فإن كان الإمساك المزمن هو المشكلة مثلا فإن خيارات العلاج تشمل استعمال المُليّنات مثل الزيت المعدني أو أنواع الملينات الأخرى.
ولا توجد دلائل كافية لدعم «نظام غذائي للتوحد» خاص، الذي يتم فيه تجنب تناول «الكاسيين» casein (وهو بروتين يوجد في مشتقات الألبان)، أو الغلوتين (بروتين يوجد في القمح، الشوفان، وبعض منتجات الحبوب).
وأشارت اللجنة إلى أنها لاحظت أن بعضا من الفوائد المجتناة (في الدراسات) التي أعلن أنها قد جاءت من مثل هذا النظام الغذائي، قد يكون مرجعها إلى تأثيرات الحبوب الوهمية.
وأشارت اللجنة إلى دراسة صغيرة واحدة من دراسات المراقبة المحكمة التي قورنت فيها الأغذية الخالية من «الكاسيين» والغلوتين، بالأغذية الأخرى التي يتناولها الأطفال.
فبعد 12 أسبوعا، توصل الباحثون إلى نتيجة مفادها أن النظام الغذائي الخاص ليس له أي تأثير على شدة الأعراض وعلى قدرات التواصل لدى 15 طفلا مشاركا من المصابين باضطرابات طيف التوحد.
توصيات
ويتفق أعضاء اللجنة وكذلك عدد من الباحثين الآخرين خارجها، على أن «التدخل الغذائي، أي إجراء تعديلات في النظام الغذائي، ربما يزيل معاناة الجهاز الهضمي لدى بعض المجموعات الصغيرة من الأطفال سواء من المصابين باضطرابات طيف التوحد، وكذلك من عدم المصابين بها. والمثال الذي تورده اللجنة هو تجنب تناول الحليب لرؤية ما إذا كان الألم غير الطبيعي ناتجا، أم لا، عن عدم تقبل الجسم للاكتوز».
ورغم أن جهود علاج الأطفال المصابين باضطرابات طيف التوحد يجب أن تنصب على تعليمهم وعلى نموهم، فقد أكدت اللجنة على الأطباء أيضا أهمية مراقبة طول ووزن هؤلاء الأطفال وقياساتهم الأخرى المرتبطة بنموهم الجسدي.
فقد يظهر النمو الأقل من الطبيعي لديهم عندما تكون التغذية غير ملائمة لاحتياجات الجسم، ما دام بعض الأطفال المصابين باضطرابات طيف التوحد، يتناولون بعضا من أنواع الطعام المعينة دون غيرها.
وفي حين تظل التساؤلات مطروحة، فإن هناك تزايدا في حالة التوافق حول أن غالبية أنواع المشكلات الهضمية ليست أكثر شيوعا لدى الأطفال المصابين باضطرابات طيف التوحد مقارنة بالأطفال الآخرين من غير المصابين.
ومع هذا، فعلى الآباء والأمهات ومقدمي الرعاية، أن يتنبهوا إلى حقيقة أن الأطفال المصابين باضطرابات طيف التوحد الذين يعانون آلام البطن أو غيرها من الآلام، قد لا يمكنهم التواصل معهم، لإبلاغهم بها.
بعض أنماط سلوك المصابين
باضطرابات طيف التوحد، يمكن أن تنجم عن مشكلات في الجهاز الهضمي، فنوبات الغضب وسلوك التحدي، خصوصا في أوقات تناول وجبات الطعام، يمكن أن تظهر لدى مصاب يعاني آلاما في البطن بعد تناوله الطعام.
كما قد تؤشر أعراض أخرى، مثل البكاء أو الانتفاخ، وتقطيب الوجه، إلى وجود مشكلات في الجهاز الهضمي إلا أن هناك اتفاقا عاما بين العلماء على أن المشكلات الهضمية ليست شائعة أكثر بين غالبة المصابين، مقارنة بالأطفال العاديين.