كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمتع بأجمل الأخلاق، فقد أراد للبشرية أن تتمتع بهذه الأخلاق السامقة، فراح يدعو إلى مكارم الأخلاق، ويبين فضلها؛ حتى يتهافت الناس إلى نيلها، والتمتع بها، لتعيش البشرية في هناء وهدوء.
وكان النبي يكثر من الحديث عن فضل حسن الخلق، وعن حبه لذوي الأخلاق الحسنة، وعن قيمة الأخلاق في حياة المسلم وآخرته. ومن أمثلة ذلك: أوضح النبي لمن حوله أن الخيرية المطلقة تنبع من حسن الخلق. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن خياركم أحاسنكم أخلاقا." (رواه البخاري).
هذه الخيرية التي ضمنها النبي لفئات معينة من الناس، اقترنت بحسن الخلق، وهي دعوة من النبي للتمسك بحسن الخلق، من أجل أن نصبح ممن شهد لهم النبي بهذه الخيرية.
وقد قرن النبي صلى الله عليه وسلم حبه لمن حوله وشدة هذا الحب بأن يكونوا ممن يتمتعون بحسن الخلق.
عن أبي ثعلبة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أحبكم إلي وأقربكم مني يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني، مساوئكم أخلاقاً والثرثارون والمتشدقون والمتفيقهون." (رواه البيهقي في شعب الإيمان وللترمذي نحوه عن جابر رضي الله عنه).
فهي دعوة لكل أتباعه ومحبيه: إن أردت أن يحبك المصطفى، فما عليك سوى أن تتمتع بحسن الخلق، فتضمن هذا الحب بإذن الله.
ومن منا لا يسعى لأن يكون مكتمل الإيمان؟ من منا لا يريد أن يهنأ بهذا الأمر؟ إذا أردنا أن نكون من مكتملي الإيمان، فحسن الخلق وسيلتنا الوحيدة إلى ذلك. وهذا ما أوضحه لنا النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: "أكمل المؤمنين إيماناً، أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم." (رواه الترمذي).
قد يعتقد البعض أن الدين الإسلامي دين يحثنا على العبادة من صيام وزكاة، وما إلى ذلك، وأننا إن فعلنا ذلك، ستفتح لنا أبواب الجنات على مصراعيها، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن العبادة التي لا يتمتع صاحبها بحسن الخلق، ليست هي ما يأمرنا الله به، بل قد يكون هناك عابد معذب في النار بسبب سوء خلقه.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: "قال رجل: يا رسول الله! إن فلانة يُذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها. قال: هي في النار. قال: يا رسول الله! فإن فلانة يُذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها، وإنها تصَدّق بالأثوار من الأقط، ولا تؤذي جيرانها بلسانها. قال: هي في الجنة." (رواه أحمد).
وعن أبي هريرة أيضا، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "إن رجلا لم يعمل خيرا قط، وكان يداين الناس، فيقول لرسوله: خذ ما تيسر، واترك ما عسر، وتجاوز لعل الله تعالى أن يتجاوز عنا. فلما هلك، قال الله عز وجل له: هل عملت خيرا قط؟ قال: لا! إلا أنه كان لي غلام، وكنت أداين الناس. فإذا بعثته ليتقاضى، قلت له: خذ ما تيسر، واترك ما عسر، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا. قال الله تعالى: قد تجاوزت عنك." (رواه النسائي).
أما المسلم ذو الخلق القويم، فقد يبلغ درجة الصائم القائم بحسن خلقه، وإن كانت عبادته تقتصر على الفرائض فحسب.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم."
(رواه أبو داود).
والنبي يعزز لنا قيمة الخلق القويم ويحببه إلينا، حين يعلمنا أن حسن الخلق سبب لثقل ميزاننا يوم الدين.
روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس المؤمن باللعان ولا الفاحش ولا البذيء". وروى الترمذي أيضاً عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله يبغض الفاحش البذيء".
ليس ذلك فحسب، بل هو يخبرنا بأن أكثر أهل الجنة من ذوي الأخلاق الكريمة.
سُئل صلى الله عليه وسلم، عن أكثر ما يُدخل الناس الجنة فقال: "تقوى الله وحُسن الخلق". (رواه الترمذي).
ثم يخبرنا بالهدية العظيمة، وهي حب الله لنا إن نحن سرنا في طريق الخلق القويم، وإن نحن كنا ممن يتمسكون بمكارم الأخلاق.
قال صلى الله عليه وسلم: "أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقاً." (السلسلة الصحيحة).
هذه الأخلاق التي كانت طبيعة في شخصية النبي، وهذه الدعوة لنيل مكارم الأخلاق، تضع أيدينا على حقيقة هذا الدين وحقيقة شخصية حامل رسالة هذا الدين، وكيف أن هذه الرسالة رسالة الأخلاق أولا وأخيرا